أحد أعضاء وحدة الاستشهاديين ميلاده ونشأتهولد شهيدنا المجاهد ( محمود خضر) في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وكان ميلاده ميلاد بطل جديد سيحمل على عاتقه وكاهله هم وطنه المسلوب فلسطين، وتطهيره من دنس الصهاينة الغاصبين المحتلين.
وفي بيت متواضع الحال في بلدة جباليا، نشأ شهيدنا محمود –رحمه الله- وبرغم أنه قد فقد والده منذ صغره، إلا أن أمه استطاعت أن تربيه تربية صالحة حسنة، معوضة له فقد أبيه، وصقلت في نفسه أخلاق الإسلام وتعاليم الدين الحنيف، وأسقته حليب حب الجهاد والمقاومة، وأرضعته من لبن العزة والكرامة حتى ارتوى، فكبر قويا عزيزا، يحق الحق ويأبى الظلم والطغيان، حاملا في قلبه الحقد على من سلبوه أرضه ووطنه.
تعليمهتلقى شهيدنا محمود –رحمه الله- تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس بلدة جباليا، وأنهى منها الثانوية العامة بنجاح، ثم انتقل للدراسة في جامعة الأزهر وتخصص في قسم (الصحافة والإعلام)، إلا أنه بعد فترة ترك الجامعة، وكان سبب تركه ما كان يراه من تبرج وسفور داخل حرم الجامعة، وهو الذي كان شديد الحياء، وقال لأهله ومعتذرا :" أنا لا أحب الاختلاط".
وخلال هذه المراحل التعليمية الطويلة التي اجتازها شهيدنا محمود، كان –رحمه الله- يتصف بالعديد من الصفات والأخلاق الحسنة العالية، وكان أكثر ما يميزه هو هدوئه وأدبه، وسعة صدره وشدة حلمه، فلقد كان حنونا عطوفا على من حوله من أصدقائه الطلاب، وكان دائما ما كان يأتي بهم إلى منزله ويكرمهم ولا يبخل عليهم بأي شيء، وكان يقوم بجمع المال بعد نهاية الامتحانات لينظم لهم رحلة ترفيهية.
وفي الحي الذي كبر فيه، كان محمود –رحمه الله- مثالا في الأدب وحسن الخلق، فلم يشتكي منه أحد من الجيران، بل على العكس كان الكل يحبه ويحترمه لما وجدوا فيه من طيبة قلب ونقاء نفس، وكان هو يستغل أخلاقه هذه وحبه الناس له في دعوته لهم إلى الطاعات، وحضهم على الخير والتقرب إلى الله عز وجل، ونهيهم عن المنكر والشر، فهدى الله على يديه الكثير من أبناء جيرانه.
نعم الولد الباركان شهيدنا محمود –رحمه الله- على علاقة قوية وقريبة جدا مع والدته، فهو يعلم أنها هي من ربته بعد أن فقد والده في صغره، فكان شديد القرب منها، وشديد الحب لها، والعطف عليها، وكما تقول والدته : "نعم الولد البار"، وكان بحكم أنه أصغر أفراد العائلة المقرب من والدته والمدلل عندها، وكثيرا ما كان –رحمه الله- يساعدها في بعض أعمالها، منفذا بهذا أمر الله -عز وجل- حين قال: "وبالوالدين إحسانا".
لم تقتصر علاقة محمود المتينة على أمه فحسب، بل امتدت لتشمل باقي إخوته، الذين كانوا شديدي الحب له، وكان كما يصفوه إخوته : "هو المدلل الحبوب، والسامع الطائع، وكان إذا تكلم كان كلامه في حكمة الرجال، ولقد ترك فينا محمود ذكريات حلوة وجميلة جدا، سنعيش عليها، وسنستذكر سوية الأوقات السعيدة التي عشناها معه –رحمه الله-
الفارس الحمساويانضم شهيدنا محمود –رحمه الله- إلى صفوف حركة المقاومة الإسلامية –حماس- منذ بداية شبابه، وذلك بعد التزامه في المسجد العمري في بلدة جباليا، وبدأ يتلقى على يد دعاتها ومشايخها العديد من الدورات والدروس الدينية والدعوية، حتى أصبح أحد أبناء جماعة الإخوان المسلمين.
كان محمود حمامة المسجد العمري، الكل يحبه والكل يحترمه ويرتاح حين يجلس معه، أما هو فلقد كان من الداعيين إلى الجهاد وإعلاء راية الحق والتوحيد، فعمل من أجل هذه على إعداد جيلا قرآنيا من الأشبال الصغار،الذين كان يعمل على تحفيظهم للقرآن الكريم، وكان يجلس في المسجد يحضر دروس العلم وحلقات الذكر والتوحيد.
عمل شهيدنا محمود –رحمه الله- في العديد من لجان المسجد، فلقد كان ضمن اللجنة الاجتماعية، واللجنة الدعويةـ وكذلك عمل في جهاز العمل الجماهيري في لجنة الخطابة، وعمل أيضا في الكتلة الإسلامية، وكان في كل الميادين رجلا مبدعا محبوبا.
شارك شهيدنا محمود –رحمه الله- في جميع نشاطات الحركة من مسيرات ومهرجانات ولقاءات وندوات، بارا بهذا عهده وبيعته، وضاربا أروع الأمثلة في الولاء لحركته.
المجاهد القساميبعد أن علم محمود –رحمه الله- أجر الجهاد والمجاهدين والشهداء عند الله عز وجل،تاقت نفسه وروحه للجهاد في سبيل الله، ورد الظلم ودفعه عن أبناء شعبه، فأرسل إلى قيادة القسام طلبا بقبوله في صفوف المجاهدين، وبعد إلحاح وإصرار من شهيدنا –رحمه الله- وافقت قيادة القسام على طلبه، وأصبح محمود في عام 2006م أحد أبطال ومجاهدي كتائب الشهيد عز الدين القسام.
انطلق محمود برفقة إخوانه المجاهدين يخوضون مع قوات العدو المحتل الغاصب العديد من المواجهات، ويقفون في طريقه كحصن منيع يستحيل تجاوزه، وكانوا برغم قلة إمكانياتهم يصدون العدو وينتصرون عليه بفضل الله، وكيف لا ينتصرون وقد استقرت في نفوسهم عقيدة التوحيد، وقد آمنوا أن الله معهم ولن يترهم أعمالهم !!
وخلال فترة جهاده التي قضاها شهيدنا ضمن صفوف القسام، شارك محمود –رحمه الله- في العديد من المهام الجهادية والتي كان أبرزها :
• الرباط الدوري على حدود وثغور بلدة جباليا، يحمي أهلها من غدر الصهاينة الجبناء.
• شارك في صد العديد من الاجتياحات التي كانت تستهدف شرق جباليا.
• شارك في التصدي للقوات الخاصة الصهيونية التي كانت تتسل إلى منطقة (جبل الريس ومنطقة مسجد السلام) شرق جباليا.
• كان أحد استشهادي إحدى عمليات (صيد الأفاعي) والتي كانت تستهدف القوات الخاصة الصهيونية، ولكن الله قدر له النجاة.
• كان ضمن مجموعة الاستشهاديين في بلدة جباليا.
• شارك في معركة (الحساب المفتوح) التي أطلقتها كتائب القسام لصد المحرقة الصهيونية التي كانت تستهدف شمال غزة.
• كان أحد فرسان المكتب الإعلامي في كتائب الشهيد عز الدين القسام، حيث كان يعمل مصورا يقوم بتوثيق العمليات الاستشهادية وتصوير الاستشهاديين والمجاهدين.
وخلال جهاده ورباطه، كان محمود –رحمه الله- كما يصفه إخوانه المجاهدون " شديد الحب لوطنه، يقضى ليالي رباطه بالذكر والاستغفار، يبحث عن الشهادة في كل الميادين، مقداما شجاعا جريئا".
ومن إحدى القصص التي تبين مدي إصراره وصبره في طريق الجهاد، أنه في إحدى الدورات العسكرية التي كان يخوضها، أصيب بكسر في إحدى ( ريش قفصه الصدري)، فخاف عليه إخوانه وطلبوا منه أن لا يأتي إلى التدريب، وأن يرتاح قليلا، إلا أنه رفض، وقال أنه سيواصل هذا الدرب، ولن يتراجع من أجل كسر تافه.
ترجل الفارس بعد مشوار جهادي عظيمفي ليلة الثاني عشر من شهر حزيران يونيو من عام 2008م، خرج شهيدنا محمود –رحمه الله- للرباط على ثغور بلدة جباليا، وفي تمام الساعة العاشرة والنصف كان محمود على موعد مع أمنيته التي لطالما تمناها، ومع تحقيق حلمه بالاستشهاد والموت في سبيل الله، حيث أنه كان يجلس برفقة أخيه (موسى حمودة) في إحدى نقاط الرباط، وأثناء تحليق طائرة الاستطلاع الصهيونية في المنطقة قامت برصدهما، فأطلقت صاروخها باتجاههما، الأمر الذي أدى إلى استشهادهما على الفور، وسالت دمائهما الطاهرة الزكية تسقى تراب وطنهم الحبيب فلسطين...
ونال محمود ما تمنى، نال الشهادة في سبيل الله، مقدما غير مدبر، ولحق بإخوانه وأحبابه من الشهداء الذين سبقوه إلى الجنان، ليكون اللقاء هناك بإذن الله رب العالمين.
...نحسبه شهيدا عند الله ولا نزكي على الله أحدا...
..رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته...
...وإنا على دربه الذي قضى فيه شهيدا، درب الجهاد والمقاومة لسائرون بإذن الله...