الفرق بين شتم شعيرة من شعائر الدين، وبين شتم المسلم..؟
شتم أي شعيرة من شعائر الدين، كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، أو الكعبة ونحوها مما جاء الدليل صريحاً على حرمته .. هو كفر، والشاتم لهذه الشعيرة كافر خارج عن الملة؛ لأنه شتم للدين ولمشرع هذا الدين .. الله -جل جلاله-. بينما شتم المسلم إن كان لدينه وإسلامه، فهو كفر، لما يتضمن شتم الدين، وإن كان لذاته أو لسبب مجرد عن الدين، فهو فسوق وليس بكفر. فإن قيل: حرمة المسلم عند الله تعالى أعظم من حرمة الكعبة، فعلام يكفر شاتم الكعبة ولا يكفر شاتم المسلم؟ قيل: إضافة إلى ما تقدم من أن الكعبة شعيرة من شعائر الدين أمرنا بتعظيمها، فإنه لا يقبل من الشاتم لها عذر سوى أنه شتمها لحرمتها الدينية، وكونها قبلة للمسلمين، لذلك كان شاتمها كافراً. بينما شاتم المسلم يحتمل أن يكون قد شتمه لذاته أو لسبب شخصي مجرد عن الدين، لذا أمسكنا عن تكفيره، إلا إذا تبين لنا بقرينة جلية أنه يشتمه أو يسخر منه لدينه وإسلامه، فحينها يكون كافراً لطعنه واستهزائه بالدين كما تقدم. قال تعالى:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} البروج:8. فهم لم ينقموا من المؤمنين لدنيا .. أو لأسباب شخصية خاصة .. بل لأنهم وحدوا الله تعالى وآمنوا به .. ولذلك فهم قد كفروا. وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}البقرة:212. وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} المطففين:29 ـ 32. فدل أن صفة الاستهزاء بالمؤمنين لدينهم وإيمانهم، هي من صفة الكافرين المجرمين الضالين، ولا يستهزئ بالمؤمنين الموحدين إلا كافر صريح الكفر، أو منافق زنديق، كما قال تعالى عن المنافقين:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}التوبة:79. وإذا كان هذا حال من يلمز المؤمنين في الصدقات، فكيف بالذي يشتمهم ويشتم لحاهم، ويجعلهم ـ في مجالسه الخاصة والعامة ـ عرضة للسخرية والتهكم أمام جلسائه.. لا ريب أنه أولى بالكفر والنفاق. بقي أن نشير إلى أن من يشتم جميع المسلمين بصيغ التعميم كأن يقول: لعن الله المسلمين وغير ذلك من عبارات الفحش والسب، أو يقول: النصارى أو اليهود أفضل من المسلمين ونحو ذلك من الاطلاقات العامة التي يشمل الطعن جميع المسلمين .. فإن مثل هذا النوع من السب والطعن كفر صريح يخرج صاحبه من الملة، لأنه يستحيل أن يكون سبه لجميع المسلمين في الأرض لخصومات شخصية بينه وبينهم، لذا لم يبق سوى احتمال واحد وهو أنه طعن بهم لدينهم وإيمانهم وتوحيدهم وهذا عين الكفر، وهو إضافة لذلك مغاير لما يتعين على المسلم حبهم وموالاتهم والثناء عليهم خيراً .. وهذا النوع من الشتم لا يصدر إلا من عدو لدود حقود! قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر.. ومن يستهزئ بالدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه، يعتبر مستهزئاً بالدين، فلا تجوز مجالسته، ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه، والتحذير منه ومن صحبته، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً [1]. وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- المتفق عليه:" ساب المسلم فسوق وقتاله كفر " يقول ابن حزم في الملل 3/237: فهو على عمومه؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم- هاهنا عموم للجنس، ولا خلاف في أن من نابذ جميع المسلمين وقاتلهم لإسلامهم فهو كافر ا- هـ. وعليه ينبغي التفريق بين من يقاتل المسلمين لدينهم وإسلامهم وبين من يقاتل بعضهم لدنيا أو لتأويل تأوله .. فالأول يكفر، والآخر لا يكفر. والذي حملنا على الإشارة إلى ذلك أن كثيراً من الإخوان الطيبين يقيسون قتال طواغيت الحكم المعاصرين على قتال الحجاج .. وقتله لبعض كبار التابعين .. مبررين قتالهم للمسلمين بأن الذين قاتلهم وقتلهم الحجاج هم أعظم وأجل ممن يُقتلون اليوم على أيدي طواغيت الحكم المعاصرين .. ومع ذلك كثير من السلف لم يكفر الحجاج .. ولم يُعرف عن أحدٍ منهم أنه كفر أمراءه من الأمويين ؟! وفات هؤلاء أن قتال طواغيت الحكم المعاصرين وقتلهم للمسلمين ومحاربتهم لهم .. هو لتدينهم وإسلامهم .. ومن قبيل محاربة الإسلام الذي يدينون به ويطالبون بتحكيمه .. بخلاف قتال الحجاج وأمرائه الأمويين لمن خالفهم من المسلمين فإنه كان عن تأويل أو قل من أجل الدنيا، وتثبيت دعائم الملك والحكم .. ولم يكن من أجل إسلامهم والتزامهم بتعاليم الإسلام .. أو من أجل مطالبتهم بتحكيم الشريعة أبدا! فالفرق شاسع بين الفريقين .. وبين الدوافع لكل منهما على القتل والقتال .. وبالتالي فإن قياس أحد الفريقين على الآخر قياس باطل وفاسد ولا يجوز.
منقول