الخليل ــ "وفا" طفل يعتقل، ويقاد إلى سجون الاحتلال، والمحاكم تحكم بإبعاده عن بيته، وهو يقف أمام قضاة "العدالة الإسرائيلية"، الذين يحكمون لإنصاف العنجهية التي اعتاد على ممارستها الجيش والمستوطنون، لا ذنب اقترفه سوى أنه ينشد التعليم حتى ينير طريقاً لحياته في هذا العالم، الذي يقف صامتاً، مطأطئاً رأسه، أمام هذه الجريمة النكراء.
إنه الطفل ذاته كرم دعنا (12 عاماً)، من مدينة الخليل، الذي اختطفه جنود الاحتلال أمام زملائه ومعلميه، من مدرسته في المدينة القديمة. هي عدة أيام، ما أجملها للعالم أجمع وهو يتغنى بأطفاله وأعرافه ومواثيقه الدولية، وما أقساها على من لا ينام الليل، يفتقد طفلا له دون عنايته أو رعايته، يدخل إلى سريره ويخرج محدثاً نفسه بصمت أين أنت يا كرم، وماذا تصنع الآن يا بني.
الطفل كرم خالد دعنا أحد تلاميذ الصف الخامس الابتدائي في مدرسة "المتنبي" القريبة من مستوطنة "كريات أربع " شرق محافظة الخليل.
يقول دعنا : خرجت قبل عدة أيام قاصداً مدرستي كالمعتاد مع أصدقائي أطفال واد النصارى، الذين يقطنون بجوارنا، دخلنا المدرسة سوياً وتلقينا الدروس المقررة لنا، وبعد إتمام الحصة الخامسة في ساعات ما قبل الظهيرة خرجنا من المدرسة متجهين نحو بيوتنا، لكن جنود الاحتلال لم يتركوني وشأني كي أكمل طريقي عائداً إلى بيتي، القوا القبض علي واقتادوني إلى "جعبرة" ــ معسكر للشرطة والجيش الإسرائيلي يقع بالقرب من صكريات أربع.
وبين الطفل دعنا أنه بقي محتجزاً بأوامر عسكرية، لمدة تزيد عن (4) ساعات ثم أطلق سراحه بعد تحقيق مطول وأسئلة كثيرة، كان أبرزها حسب قوله، لماذا تكره المستوطنين؟ ولماذا تعتدي عليهم؟ كل ذلك وأنا صامت لم أدل بشيء، كنت خائفاً منهم صحيح، لكنني لم أبك، كما قال.
ويتابع: في اليوم الثاني جاء أبي إلى المدرسة، وأخذ بيدي إلى البيت، لا أعرف لماذا، إنما هي لحظات ودقائق قليلة حتى وصلت البيت، وكان عشرات الجنود والشرطة ينتظرونني على مدخل البيت ليضعوا "الجنازير" في يدي وقدمي، ويحملونني معهم بالجيب العسكري متوجهين إلى سجن عوفر العسكري في رام الله.
دخلت إلى السجن وبدأ العديد من الجنود الصياح في وجهي، حتى أوصلوني إلى غرفة السجناء الأسرى الذين عرفت منهم أبو زياد الذي حرص على خدمتي طوال فترتي معهم، لكن لا يوجد وسادة للنوم ولا غطاء داخل السجن، لذلك شعرت بالبرد في الليل.
ويضيف: كنت شديد الاشتياق لأبي وأمي، جدي وجدتي، أصدقائي وزملائي في مدرسة المتنبي لكنني لا أملك أن أفعل شيئاً، فالمكان الوحيد الذي استطعت الخروج إليه هو ساحة "الفورة" المكان الذي يخرج إليه السجناء لمدة ساعات محدده خارج الغرف.
والدة الطفل الأم سهام دعنا قالت وعيناها تملأها الدموع متسائلة، أين جمعيات حقوق الطفل؟ أين القوانين والمواثيق الدولية التي أبرمتها الأمم المتحدة؟ أين العالم أجمع من طفلي؟، ناشدة الحياة السعيدة لطفلها كبقية أطفال العالم.
قالت: أطفالي الثمانية لم تعرف أعينهم النوم طوال فترة اعتقال كرم، واستمروا بالبكاء طالبين عودة أخيهم، ليلعبوا معه ويذهبوا سوياً كما اعتادوا في كل صباح إلى المدرسة.
خالد دعنا والد كرم "الطفل"، أكد أن المحكمة العسكرية في عوفر، وفي جلستها الأولى لمحاكمة الطفل أصدرت حكماً بدفع غرامة مالية مقدارها (2000) شيكل، لكن النيابة العسكرية استأنفت الحكم طالبةً تشديده، فرفعت المحاكمة إلى جلسة ثانية.
يكمل والد الطفل: دخلنا المحكمة في الجلسة الثانية وشاهدنا ابني كرم وهو يقف في قفص الاتهام مكبل اليدين والرجلين، وأصدرت المحكمة حكماً يقضي بدفع غرامة مالية قيمتها (2000) شيكل، بالإضافة إلى إبعاده عن بيته إلى بيت عمه "الذي يبعد قليلاً عن مستوطنة كريات أربع" ليبقى داخله ضمن إقامة جبرية لمدة خمسة أشهر، يحرم فيها الطفل من المدرسة والخروج خارج المنزل، ثم يعود مرة أخرى لمحاكمة جديدة.
الباحث الحقوقي في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال جمال الجبارين، أكد لـ "وفا" أن ما جرى بحق الطفل دعنا هو انتهاك خطير لمجمل الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وخاصة اتفاقية حقوق الطفل.
وأوضح أن ما قامت به محاكم الاحتلال الإسرائيلي يعطي صورة مؤلمة لواقع الأطفال في فلسطين ويظهر الممارسات القمعية لحقهم في الطفولة، ما يستدعي تكثيف العمل وبذل كافة الجهود لإعطائهم حقوقهم الإنسانية، لإنهاء هذه المعاناة وتمكينهم من العيش بحرية وسعادة.
وأكد الجبارين أن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تعمل الآن على فضح هذا الانتهاك الخطير وتوثيقه لمواجهته بكل السبل القانونية وعبر جميع الجهات الدولية ذات العلاقة بحقوق الطفل.
وبين أن هذا الاعتقال والمحاكمة هو مخالفة واضحة وصريحة للمادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل الدولية والتي ترعاها الأمم المتحدة، وتنص على منع اعتقال وتعذيب الأطفال.