كانوتيه.. قصة رياضي مسلم يتألق في أوروبا
لا يجد اللاعب الفرنسي المنحدر من أصول مالية فريدريك كانوتيه "عمر" حرجا في الخروج من
الحصة التدريبية لفريقه إشبيلية الإسباني، من أجل أداء الصلاة، وقد اعتاد عقب تسجيل أي هدف
على السجود شكرا لله، ورفع يديه بالدعاء، حتى أصبح ذلك أمرا اعتيادا في الملاعب
الاسبانية والأوروبية.
بداية نجمكانوتيه، المولود في مدينة ليون الفرنسية، ترجع أصوله إلى جمهورية مالي (غرب إفريقيا)، ويحمل
الجنسية الفرنسية، يعتنق الدين الإسلامي، ويفتخر بذلك دائما، رغم بعض المضايقات التي يتعرض
لها، وخاصة من قبل جماهير بعض الأندية، وعدد من الصحافيين الإسبان.
خلال العام الحالي حقق كانوتيه نجاحات رائعة في القارة الأوروبية، وتألق بشكل لافت مع فريق
إشبيلية الأندلسي، الذي يلعب في أقوى بطولة محلية لكرة القدم في العالم، وظل لأشهر عديدة
متصدرا لقائمة هدافي الدوري، قبل أن تحرمه الإصابة من الاستمرار في ذلك ليتراجع إلى المركز
الثاني بفارق هدف واحد، عن الهولندي رود فان نستلروي، هداف فريق ريال مدريد.
مواقف كثيرة تعرض لها اللاعب المسلم خلال مسيرته في الملاعب الأوروبية، ذات الصخب
الإعلامي والجماهيري الدائم، ولم تكد تخلو محطة من محطات حياته من جدل وإثارة، دائما كان
السبب فيه هو أنه "لاعب مسلم".
مسيرة حافلةولد كانوتيه في الثاني من شهر سبتمبر/أيلول لعام 1977 في مدينة ليون الفرنسية، وبدأ مشواره
الاحترافي في كرة القدم مع فريق مدينتها لأول مرة عام 1997، وظل مع الفريق حتى عام 2000،
ليبدأ بعد ذلك تجربة جديدة تمثلت بالانتقال إلى الدوري الإنجليزي الذي كان يعتبر في ذلك الوقت
البطولة الأقوى على المستوى الأوروبي، ليلتحق بفريق ويستهام يونايتد، ويمضي في صفوفه ثلاث
سنوات، تألق خلالها بشكل كبير وكان الهداف الأول للفريق، قبل أن ينتقل لجاره الأكثر عراقة
توتنهام هوتسبيرز عام 2003، وكانت هذه الفترة مهمة جدا بالنسبة له، فبعد عام واحد من انتقاله
لتوتنهام استدعي لمنتخب بلاده (مالي) للمرة الأولى من أجل المشاركة في بطولة كأس الأمم
الإفريقية التي أقيمت في العام التالي في تونس، فلبى النداء مفضلا مالي على فرنسا التي يحمل
جنسيتها، وكانت الفرصة مهيأة أمامه للعب في صفوف منتخبها، خصوصا انه لعب في وقت سابق
مع المنتخب الأولمبي الفرنسي (تحت 23 عاما)، ليبرهن بذلك على مدى انتمائه للبلاد التي تعود
أصوله إليها، رغم انه لم يسبق له أن وطأت قدماه أرضها.
ظل كانوتيه في صفوف توتنهام حتى عام 2005، وطوال هذه الفترة كان حريصا كل الحرص على
القيام بواجباته الدينية، ولم يكن يترك أية مناسبة دينية في مساجد لندن إلا ويشارك فيها، وحرص
على ربط علاقات وطيدة مع أبناء الجاليات العربية والإسلامية في لندن، حتى لاحقته الاتهامات في
كل مكان، ونُعت مرارا بأنه "إرهابي"، وكان مشجعو بعض الأندية يطلقون صافرات الاستهجان
في اللحظة التي يلمس فيها الكرة، إلى أن وقعت الانفجارات الشهيرة في قطارات المترو بلندن
صيف عام 2005، لتتزايد الضغوط عليه، وتصبح مسألة بقائه في توتنهام صعبة إن لم تكن مستحيلة،
فقرر الرحيل عن بريطانيا تحت وطأة الضغوط، وانضم لفريق إشبيلية الإسباني، وسط إشاعات ترددت
في ذلك الحين بأن نادي توتنهام طرده من صفوفه، أو طلب منه البحث عن فريق جديد، وهو
ما أنكره اللاعب في وقت لاحق.
مرحلة جديدةلم يجد كانوتيه في بداية وجوده في إسبانيا ذلك الجو العدائي الذي كان يميز عاصمة الضباب لندن،
بل على العكس، وجد الأمور في مدينته الجديدة اشبيلية مهيئة للنجاح، في ظل وجود جالية عربية
ومسلمة كبيرة في المدينة، وساهم ذلك بانخراطه سريعا في حياته الجديدة، فقاد في موسمه الأول
فريقه لاحتلال المركز الخامس في الدوري، ليضمن له التأهل للمشاركة في بطولة كأس الاتحاد
الأوروبي، ونجح بالفوز بلقبها بجدارة، وسجل كانوتيه في البطولة ستة أهداف، ومنذ ذلك الوقت
ازدادت شعبيته بين جماهير الفريق بشكل مضاعف، لكنه ظل كما كان محافظا على تدينه، رافضا لكل
ما يتعارض مع تعالم الدين الإسلامي، حتى أن أزمة كبيرة كادت تعصف بالعلاقة بينه وبين النادي قبل
بداية الموسم الحالي، حينما تعاقد الأخير مع شركة " قمار" لرعايته في الموسم الجديد، فرفض
ارتداء فانيلته التي تحمل الشعار، وهدد بالرحيل عن صفوفه، قبل أن ترضخ إدارة النادي لطلبه،
وتزيل الشعار عن الفانيلة الخاصة به، ليصبح اللاعب الوحيد الذي يرتدي زيا مختلفا عن بقية
زملائه في الفريق.
لم يعجب هذا التصرف بعض وسائل الإعلام الإسبانية، فشنت عليه هجوما حادا، واتهمته بالتزمت
والانغلاق، كما اعتبرت سجوده بعد تسجيل أي هدف بمثابة رمز ديني، لا ينبغي أن يحدث في ملاعب
كرة القدم، فساهم هذا الأمر بخلق حالة من الكراهية له بين جماهير الأندية، وكان أن اشتبك مع
أحد الصحافيين عقب مباراة جمعت فريقه مع ريال مدريد في بداية الموسم الحالي، وسجل فيها
هدفا قاد به اشبيلية للفوز، فقد سأله الصحافي بتهكم لا يخلو من السخرية "ماذا تعرف عن الدين
الإسلامي الذي تعتنقه؟؟ وهل تعتبر أن سجودك بعد تسجيل الأهداف أمرا مقبولا ؟!".
فما كان من كانوتيه سوى الرد بحدة قائلا: "أنت صحافي جاهل ولا تعرف شيئا عن الإسلام"،
ودخل بعد ذلك إلى غرفة تغيير الملابس دون أن يدلي بتصريحات أخرى.
وقال بعد الواقعة للصحف الاسبانية: "عندما يسألك مغفل مثل هذا السؤال فردك سيكون قاسيا
حتما، فهو لا يعرف الدين الإسلامي وما يحمله من معان سامية ورحمة، وفوق ذلك يسأل بتهكم
وسخرية عن معرفتي بهذا الدين !".
لكن الرد الحقيقي على هذا الهجوم وهذه الكراهية جاء عمليا خلال هذا الموسم، فقد سجل 21
هدفا في الدوري، وكرر بعد كل هدف مشهد السجود، وقراءة الفاتحة والدعاء، وقاد فريقه للفوز
مجددا ببطولة كأس الاتحاد الأوروبي، للمرة الثانية على التوالي، ليزيد كل ذلك من أسهمه كلاعب
مميز في القارة الأوروبية، وتتهافت كبريات الأندية لضمه إليها في الموسم الجديد، وخاصة أندية
برشلونة الإسباني، ويوفنتوس الإيطالي، وأرسنال الانجليزي.
سفير الإسلاميفضل كانوتيه أن يطلق عليه اسم "عمر"، وقد أعلن أكثر من مرة أنه معجب بشخصية أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب، لذلك أحب أن يسمى باسمه، كما أنه دائم التردد على الديار الحجازية،
وقام بالعمرة أكثر من مرة، وينوي أداء فريضة الحج متى سنحت الفرصة لذلك، وقد تبنى العديد
من المشاريع الخيرية في مالي، وخاصة تلك التي تهتم برعاية الأطفال، ليؤكد أنه خير سفير وممثل
للإسلام في ساحات الملاعب بأخلاقه العالية وإيمانه وحرصه على إظهار سماحة الدين الإسلامي،
في وقت ينصهر فيه لاعبون آخرون يملكون لسانا عربيا بمجتمعاتهم الأوروبية الجديدة، وينسون
أنهم مسلمون وسفراء لهذا الدين.
الله يكثر من امثالو يارب ويجزيه كل خير
تحياتي للجميع