بسم الله الرحمن الرحيم
علامــات النفــاق
عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر » ( رواه البخاري([69]) ومسلم([70]) وأبو داود([71]) والترمذي([72]) والنسائي([73]) وأحمد([74]) ).
راوي الحديث :
عبـد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء ، وكان من العلماء العباد مات سنة 68هـ.
المفـردات :
النفاق : مخالفة الباطن للظاهر وأصله من نافقاء اليربوع وهي إحدى جحره يكتمها ويظهر غيرها.
والغدر : ترك الوفاء بما عاهد عليه.
المخاصمة : المنازعة ، أصلها من خصم الشيء أي جانبه وناحيته فكل من المتخاصمين في جهة.
الفجـور : الميل عن الحق والاحتيال في رده ، وأصله من الفجر وهو شق الشيء شقاً واسعاً. والفجور فتن في الدين.
الخيانـة : فسرت هنا بأنها التصرف في الأمانة بغير وجه شرعي كبيعها أو جحدها أو انتقاصها أو التهاون في حفظها.
المعنى الإجمالي :
النفاق داء كبير وخطر جسيم على الإسلام والمسلمين ، وهو وصف ذميم لقوم أظهروا الإسلام كيداً وخداعاً لينالوا به مصالح مادية ثم لينجوا بذلك من سيوف الإسلام.
وقد لعن الله المنافقين وذمهم وتوعدهم بأليم العذاب في الدرك الأسفل من النار.
وقد ذكر صفاتهم الذميمة في سور كثيرة من القرآن الكريم في سورة البقرة والنساء وسورة التوبة وفي سورة المجادلة والحشر وسورة المنافقين ، كل ذلك ليعرفهم المؤمنون ويحذروا شرهم وكيدهم وخبثهم.
وقد بين الرسول الكريم في هذا الحديث أربعاً من صفاتهم وعلاماتهم البارزة.
الأولى : خيانة الأمانة ، وبئست الخلق هي وما أقبح أن يثق بك إنسان ويستأمنك على ماله أو عرضه أو حق من حقوقه ، فتخونه.
إن دائرة الأمانة واسعة تشمل كل ما اؤتمن عليه الإنسان ، حتى لتشمل الدين كله.
فكل ما جاء به الأنبياء من العقائد والشرائع أمانة في أعناق العلماء إذا قصروا في تبليغها ونشرها كان ذلك منهم خيانة يستوجبون بها لعائن الله وغضبه، قال تعالى : ] إن الذي يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون [ (البقرة 159).
فعلى حملة العلم أن يبلغوا ما جاء به خاتم الأنبياء – عليه وعليهم الصلاة والسلام - ، فإن ذلك أعظم الأمانات ، وكتمانه والتقاعس عنه أعظم الخيانات ، قال تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون [ (الأنفال 27).
والثانية : الكذب في الحديث – فإنه أساس النفاق وهو من أقبح الأخلاق ، فإن الأمم كلها تحترم الصدق وتمقت الكذب ، وتحتقر صاحبه ، فاحرص أن تكون مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم ، وابتعد عن الكذب والكذابين فإنه من صفات أحط البشر وهم المنافقون كما في هذا الحديث ، وانظر إليهم وقد قامت ديانتهم على الكذب وكيف فضحهم الله ، وكشف عوراتهم ، قال تعالى : ] إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك رسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون [ (المنافقون 1-2).
والثالثة : خلف الوعود أو نقض العهود والغدر ، وذلك من أشنع الأخلاق وأرذلها. وكفى به شراً أن يكون من عواقبه مرض النفاق قال تعالى : ] فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون [ (التوبة 77).
فاحذر من الانحدار إلى هذا الخلق الحقير واحرص على الوفاء بالوعد ، واحترام العهد حتى تكون من أولي الألباب. ] الذي يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق [ (الرعد 20).
والرابعة : الفجور في المخاصمة وعدم الوقوف عند الحق وهو وزر كبير وجرم خطير ، يجر إلى مفاسد عظيمة من استباحة الأموال والأعراض ، وجحد حقوق الآخرين وإلصاق التهم الظالمة بهم ، ومحاربة الدعاة إلى الحق ، وصد الناس عن الحق والهدى والسلوك بهم في مسالك الغواية والردى ، فكم من أموال استبيحت وأعراض انتهكت ، ودماء أريقت بسبب فجور المنافقين في خصوماتهم، وكم من مريد للحق صدوه عن سلوك الصراط المستقيم واتباع الحق القويم.