لك أن تتصور عزيزي القارئ ما نحن فيه من غفلة في طبيعة الصراع بيننا وبين اليهود والفرق الشاسع بيننا وبينهم في التعامل مع قضية فلسطين وكيف غيبت عقولنا وعقيدتنا عن طبيعة المعركة ولما كان أعداؤنا قد وجدوا من يواجههم بغير السلاح الذي رفعوه وبغير التوجه الذي تبنوه وهو التوجه الديني الاعتقادي الذي ما كان يخفى إلا على من عمي أو تعامى فقد تسبب ذلك في حدوث سلسلة متواصلة من الفشل والإخفاقات لنشهد انحدارا شديد فيما نهدف ونطمح فمن حرب النكبة التي اندلعت سنة 1947م رفضاً لقرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود وأنهم مغتصبون صهاينة يستحقون التأديب والطرد وأن كل من قاومهم فهو مجاهد صاحب حق وشرعية حتى وصلنا إلى مؤتمر أنا بوليس (1428_2007) الذي هو امتداد لنتائج أتفاق أوسلو (1414_1993) ليتحول المطلب بعودة كل فلسطين إلى الرضا بفتات من الصهاينة متمثلا بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وليتحول المجاهدون أصحاب الأرض والقضية إلى إرهابيين يجب مطاردتهم والقضاء عليهم وليتحول السلاح إلى وجه الإخوة لضمان الأمن العام الذي هو حقيقته أمن اليهود الخاص ولتنشأ قوة شرطة فلسطينية من المقاتلين تقوم مقام العدو لقتال إخوانهم من الحركات المجاهدة.
ولتصبح قضايا مهمة مثل القدس واللاجئين والحدود ... قضايا مؤجلة لحين التخلص من المقاومة وحتى يتوصل لسلام الشجعان بالتخلص من حٌماة الأرض والعرض.
ومن نتائج تلك المعاهدة:
- بداية صراع فلسطيني فلسطيني بدل الصراع العربي الإسرائيلي ثم الفلسطيني الإسرائيلي.
- أوصلت إلى نتيجة مفادها الإبقاء على الاحتلال اليهودي بل السيادة على فلسطين كلها بما فيها قطاع غزة والضفة حيث إن الانسحاب منهما كان انتقالاً من الأماكن الآهلة بالسكان والمقاومين إلى أماكن أكثر أمانا وتركت مهمة مقاومة هؤلاء المقاومين إلى منظمة التحرير.
- أعفت الاتفاقية المحتل من تبعات رعاية الصحة والتعليم وغير ذلك بحسب ((المواثيق الدولية))
- ترك بحث القضايا المهمة (الحل النهائي ) للزمن لمعرفة مدى جدية السلطة على الوفاء بمقتضيات اتفاقية أوسلو .
إذا ماذا قدم العلمانيون لقضية فلسطين؟؟
إن (علمانية المعركة) كانت هي الشعار المرفوع من طرف العرب في السر والعلن، والمسوغ المعلن في ذلك كان ولا يزال: حرمان العدو من تحويل الصراع إلى صراع ديني ...
إن القوم المتصدرين في واجهة ذلك الصراع لايزالون يصرون على المكابرة والمغالطة والخداع للأمة ، نعم فما كانت إسرائيل لتبقى ولتعلو أو لتوجد أصلاً لولا سلسلة من أخطاء تترادف وخطايا تتراكم ممن وضعوا أنفسهم دون هوية دينية في واجهة الصراع ذي الصبغة الاعتقادية حيث تعمد العلمانيون عن سابق إصرار وترصد أن يفرغوا هذا الصراع من محتواه الاعتقادي وخلفيته الدينية من جانبنا ، في مقابل ذلك تعمد الآخرون عن سابق إصرار وترصد أيضاً أن يصبغوه بالصبغة الاعتقادية في أبرز معالمه من جانبهم، بدءاً من اختيارهم اسم الدولة(إسرائيل)، على اسم نبي هو يعقوب عليه السلام، ورمزها (نجمة داود)، التي ترمز لسطوع عصر المسيح المنتظر من نسل داود، ودستور تلك الدولة(التوراة)، حيث لم يوضع لدولتهم دستور مكتوب غيرها، وأيضاً شعار تلك الدولة (أرض الميعاد من النيل إلى الفرات ) المرموز له في العلم الإسرائيلي بالخطين الأزرقين، وكذلك حلم هذه الدولة التاريخي بإعادة بناء(هيكل سليمان) في أورشليم القدس، حيث يتطلع اليهود لمجيء ملك من نسل داود يحكمون معه العالم من ذلك الهيكل ،الذي اتخذوا الشمعدان الذي يضيء داخل(قدس الأقداس)داخله، شعاراً لجهاز الدولة وأنظمتها.
أما بنو قومنا الذين تصدروا في واجهة المواجهة الرسمية لليهود،فإنهم تحت الرايات العلمانية المتعددة ،جدوا في إبعاد الإسلام عن المعركة،وإقصاء القرآن عن توجيهها، وتنحية العقيدة الحقة عن مواجهة العقيدة الباطلة ،بل بالغوا في ذلك حتى استبعدوا المسلمين غير العرب من المشاركة في المعركة ابتداء فأطلقوا على هذا الصراع وصف ( الصراع العربي الإسرائيلي) مرة،و(معركة القومية العربية)مرة أخرى ثم استجابوا لتسمية التعمية التي أطلقها الغرب النصراني (أزمة الشرق الأوسط) أي ليست أزمة لباقي العالم الإسلامي في شرقه وغربه ،بينما كان بالإمكان حشد الأمة الإسلامية كلها خلف الأمة العربية في هذا الصراع الحضاري المصيري بين أمة الإسلام وعصابة اليهود مدعومة بالنصارى.
لكن الذي حصل ولا يزال يحصل أن القيادات العلمانية أصرت على التصدر في واجهة معركة ليست لها ولا هي أهلها،وتأبى التنازل عن مبادئها المجافية للدين في إدارة الصراع الذي صغروه وحقروه وحولوه من صراع أممي إسلامي، إلى صراع قومي عربي ثم إلى صراع فلسطيني إسرائيلي كما يشيع الإعلام العلماني ولينحصر الصراع في النهاية إلى مشكلة أمنية أصبح المسلمون هم سببها ولتكون الشاة جانية على الذئب (مشكلة حماس الإسلامية المحاصرة المطاردة وبين دولة اليهود التي تساندها قوى الطغيان الدولي كلها).
لذلك ليس مستغربا هذا الحصاد المر والفشل المتلاحق الذي جناه العرب طيلة العقود السابقة سواء في ميادين الحرب أو موائد السلام.
نعم نحن على يقين أن اليهود سوف يساقون إلى مصارعهم كما سيقت بنو قريظة حتى يقول قائلهم ما الأمر فيرد عليه سيدهم كعب بن أسد :أفي كل مرة لاتعقلون أما ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل لكن هذا المصير المحتوم على بني يهود لن يكون يقيناً على أيدي العلمانيين الذي لا يملكون ثوابت ومنهجاً فما كان حرام عندهم اليوم يكون حلالاً غدا وما كان حلالاً فحرام غداً ولكن يكون على من جعل الاستقامة على منهاج الله نبراسا له تختصر المسافات وتطوي المراحل وتوفر الوقت فالأمة في حاجة إلى استحقاق العون الإلهي الذي لن يناله العلمانيون ونحن نعلم وكما قال بن غوريون(( أذا انتصرت (إسرائيل) في خمسين حربا ،فإنها لن تخضع العرب ولكن يكفي العرب أن ينتصروا في حرب واحدة من أجل القضاء على إسرائيل)
((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز*الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة واتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).