أم فلسطينية تلتقط صورا مع ابنها قبل أن ينفذ عملية فدائية في غزة وتدعو له بالنجاح ونيل الشهادة....

أم محمد فرحات لـ«الشرق الأوسط»: عززت حب الجهاد في نفس كل أبنائي الذين ينتمون جميعا لكتائب القسام... فابني الكبير مطارد والثاني معتقل بعد فشل عمليته

غزة: عبد الله عيسى
ام نضال والدة الفدائي محمد فرحات الذي اخترق الحواجز الامنية الاسرائيلية لينفذ عملية نوعية في مستوطنة في غزة، لها قصة فريدة من نوعها في تاريخ المقاومة الفلسطينية. فهذه الام الفلسطينية خططت مع ابنها لتنفيذ عملية تفجير فدائية دون ان يرف لها جفن. وكانت قبل ذلك وفي الانتفاضة الأولى تلعب دور الام المثالية لاول قائد كتائب عز الدين القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس في قطاع غزة عماد عقل الذي اغتاله الجيش الاسرائيلي عام 1995 في منزلها. وهي تفخر بانتماء جميع ابنائها لكتائب القسام ومنهم أيضا ابنها مؤمن فرحات المرافق الخاص للشيخ احمد ياسين.
وغرابة قصتها تكمن في ان ام نضال كانت على علم مسبق بالتخطيط لعملية ابنها والتقطت معه صورا للذكرى قبل تنفيذ العملية وبقيت على اتصال مع رفاقه في كتائب القسام للاطلاع على تفاصيل العملية اولا باول فسجدت شكرا لله عندما علمت باختراقه الحواجز الامنية وتسلله الى داخل المستوطنة. وكانت فرحتها الاكبر عندما علمت ان ابنها اوقع اكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الاسرائيليين.

وكان محمد فرحات قد نفذ عمليته في مستوطنة عتصمونا في جنوب غرب قطاع غزة بعد ان نجح في التسلل اليها من خلال قص الاسلاك الشائكة المحيطة بها. وبينما كان داخل المستوطنة توجه الى المدرسة العسكرية الدينية التي تعد الطلاب المتدينين للخدمة العسكرية، واقتحم احدى الغرف والقى فيها قنبلة من بين ست قنابل كانت بحوزته ثم القى بقية قنابله وسط حشد من الجنود والمستوطنين الذين احاطوه وفتح نيران سلاحه تجاههم قبل ان يتمكنوا منه. واعتقد جيش الاحتلال في حينها ان اكثر من فدائي نفذوا عملية اقتحام المستوطنة. واعترف الاسرائيليون في هذه العملية بقتل خمسة من الطلاب الجنود واصابة ما لا يقل عن 25 مستوطنا.

واجرت «الشرق الأوسط» الحوار التالي مع ام نضال:

* كيف نمت فكرة عملية فدائية في نفس محمد؟

ـ ان الجهاد فرض علينا ويجب علينا ان نعزز هذه الفكرة في نفوس ابنائنا في كل وقت، فان شعبنا يتعرض كل يوم لاهانات وظلم من قبل الإسرائيليين ومع ذلك ان الجهاد فرض علينا وما نراه كل يوم من مجازر وتدمير وقصف للمنازل عزز في نفوس ابنائي وخصوصا محمد حب الجهاد والاستشهاد.

* هل كان لك دور في غرس هذه الروح في محمد؟

ـ الحمد لله انا مسلمة ومؤمنة بالجهاد وهو من دواعي الايمان وهذا دفعني ان اضحي بمحمد من اجل الجهاد في سبيل الله. وابني لم يهلك ولم يمت فهو يعيش حياة أسعد من حياتي وانا لو جعلت تفكيري محدودا بالدنيا لما ضحيت بمحمد، انني حنونة على اولادي وهم يحنون ويخافون علي. لانني احب ابني دفعته للشهادة في سبيل الله. انا أبحث عن رضا الله عليه والجهاد واجب شرعي ونحن مكلفون به ويجب ان نقوم به، وانا قدمت محمد كجزء من الواجب المفروض علي، وهو شيء قليل. وهذا الكلام لا يختلف عليه اثنان. السعادة في الدنيا هي سعادة ناقصة والسعادة الأبدية هي الحياة في الآخرة بالشهادة والحمد الله وصل ابني لهذه السعادة.

* عماد عقل اغتيل في بيتكم وكان يعيش معكم.. هل شخصية عماد عقل أثرت على محمد؟

ـ كان عمر محمد ابني حينما كان الشهيد عماد عقل يعيش معنا في البيت 7 سنين وكان الناس ينظرون لمحمد في ذلك الوقت على انه صغير لكنه كان في نظري ونظر عماد كبيرا واكبر من سنه. كان محمد ينتمي لكتائب القسام وعمره 7 سنوات، اذ كان رغم صغر سنه مساعدا لعماد عقل قائد القسام في القطاع. وكان يلازمه دائما في البيت حين غياب اخوته وكان يعمل على حمايته في مراقبة الطريق وينقل منه رسائل للمجاهدين. والشهيد محمد تلميذ لعماد فكان محمد يسمع عماد ويشاهده حينما كان يخطط للعمليات، وعماد كانت له غرفة عندنا حيث عاش معنا اكثر من 14 شهرا، وكان يخطط فيها عملياته. وكان المجاهدون يأتون معه ويخططون ويرسمون كل شيء ومحمد الصغير معهم يفكر ويدبر. من هنا جاء حب محمد للشهادة فقد كان عماد يستعين بمحمد في كل شيء وكان محمد يكتم سر عماد وأصحابه المطاردين للاحتلال.

وهذه البيئة نمت حب الشهادة في نفس محمد. وانا كأم بطبيعتي عززت حب الجهاد في نفس محمد وكل ابنائي الذين ينتمون جميعا لكتائب القسام. فابني الكبير نضال (31 سنة) هو الان مطارد ومطلوب للإسرائيليين وابني الثاني خرج في عملية استشهادية لكنه انكشف فاعتقل وحكم عليه بالسجن 11 سنة. ولي ابن آخر مرافق للشيخ احمد ياسين. اذن الجو الذي عاش وترعرع فيه محمد كان جوا مليئا بالإيمان وحب الشهادة وانا اعتقد انه لا يكتمل إيمان الإنسان الا عندما يصل للتضحية واذا وصلت عند الإنسان قناعة ان التضحية واجبة في سبيل الله يكون إيمانه قوياً.

وانا احب الناس المجاهدين. فالدين فيه شريعة الجهاد في سبيل الله وخصوصا اذا لم يكن الجهاد فرض علينا لكان من مروءتنا كفلسطينيين جاهدنا وقاومنا دفاعا عن وطننا وشعبنا المظلوم ولن نرضى ان تنتهك أعراضنا ليل نهار ونتعرض للتعذيب والتدمير ونبقى صامتين مكتوفي الأيدي. واذا لم أضح بابني وأخاف عليه اذاً من الذي يحمي الوطن؟، نحن نطالب الدول العربية ان تقف معنا لماذا؟ هل لا يوجد رجال ولا شباب في فلسطين؟ اذا لم يدافع شباب فلسطين عنها فمن الذي سيدافع عنها؟

هل نقف ونلقي باللوم على الدول العربية؟ انا أقول ان أصحاب الأرض هم الأولى الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم والله جعل لنا شرف الجهاد في فلسطين وهذا فخر وشرف لنا والله أكرمنا حينما جعلنا مسؤولين عن الدفاع عن هذه الأرض المقدسة وهذا خير كبير.

* كيف ودعت محمد قبل تنفيذه للعملية؟

ـ في البداية كان محمد مستعدا لأي عمل استشهادي يقوم به وكان يقسم لي انه لا يحب الحياة الا من اجل الجهاد. وكان يقول لي اذا لم يأت دوري في الجهاد سأنفصل عن الجناح العسكري للحركة وآخذ سلاحي وانزل الى ساحة القتال لوحدي. وله عدة محاولات حيث كان يخرج على طريق المنطار ويأخذ سلاحه وقنابل لكن لم تتح له الفرصة، وكان يرجع ودمه يغلي لانه لم يستطع ان ينفذ عملياته وكان يحمل سلاحه ويقول لي يا امي هذه عروسي. وكان يحب سلاحه كثيرا دائما يهتم به وكان يشعر ان هذا السلاح سيحقق حلمه وقلبه كان مملوءاً بالحقد الكره على الاحتلال الإسرائيلي وكان يقول لي: الآن سأخرج لا أستطيع الصبر فأرد عليه وأقول له ستأتيك فرصة عظيمة فاصبر وخطط جيدا حتى لا تضحي بنفسك هدرا. اعمل بعقلك وليس بعواطفك.

وأنا كنت على دراية كاملة بكل خطواته وكان يأخذ رأيي في كل شيء. وهو رأى في منامه انه في مهمة للقيام في عملية وانه رأى 6 جنود يمشون أمامه فكان يتشاور مع نفسه هل يطلق عليهم النار ام لا فجاءني في الصباح يسألني عن تفسير هذا الحلم. فقلت له اسمع كلام المسؤولين وأمراءك الذين يعرفون مصلحتك وطاعتهم عليك واجبة وهذه المسألة كان قد شاورني فيها قبل ان يستشهد.

وجاءني يوم العملية وقال لي الآن يا أمي سأخرج لعمليتي. وكان قد استعد لها قبل يومين حيث تم تصوير شريط فيديو وطلبني ان أتصور معه وكان في اثناء التصوير يستعرض بسلاحه. وانا شخصيا طلبت تصوير هذا الشريط للذكرى وبعد تصويره انتظر حتى فتحت طريق صلاح الدين التي تربط جنوب غزة بشماله لساعة واحدة ويومها خرج بعد ان قبلّ يدي وقال لي أرجو ان تتمني لعمليتي النجاح، فأوصيته على الإخلاص في العمل أول شيء. وقلت له الله معك ويحميك فخرج لتنفيذ عمليته وحين وصل للمنطقة نام ليلتها عند أصدقائه هناك وكنت على اتصال معه وأسأله عن معنوياته فيقول لي انني فرحان جدا. وبالفعل شاهدت هذه الفرحة على وجهه على نحو لم اره من قبل. وخرج لعمليته ببرود أعصاب وهدوء تام واطمئنان وكأنه متأكد من نجاحها لكنني كنت قلقة وخائفة جدا من عدم نجاح العملية واحتمال تعرضه للاعتقال. وصليت له عندما خرج من البيت ودعيت الله ان ينجح في عمليته وان يرزقه الله الشهادة. وحينما دخل المستوطنة أبلغني اخوانه في الجناح العسكري بانه نجح في التسلل الى داخلها وحينها اخذت اصلي وادعو الله له.

وتوجه محمد للمستوطنة الساعة الخامسة مساء وهو صائم وانتظرناه قلقين عليه ونسأل أنفسنا ما الذي حدث له وهو كان حريصا على نجاح العملية. انتظر حتى تجمع الجنود ورأى نفسه انه متمكن منهم فبدأ في اطلاق النار وعدد القتلى الآن 10 إسرائيليين و23 جريحا وانا كنت ادعو له من كل قلبي ان يكلل الله عمليته بالنجاح. وتمنيت من الله ان يعطيني عشرة بدلا من محمد وفعلا الله سبحانه وتعالى أعطاني ما طلبته فحقق حلمي محمد وقتل عشرة من المستوطنين والجنود الاسرائيليين وربنا أكرمه وزاد بالجرحى الإسرائيليين.

وحين انتهت العملية واذاعت وسائل الإعلام خبر العملية جاء أخوه وأبلغني باستشهاد محمد فبدأت بالتكبير لله وسجدت لله أشكره على نجاح العملية وبدأت بالزغاريد وأعلنا الفرح وبدأ الشباب بإطلاق النار بفرحتهم بنجاح العملية وهذا ما تمناه، وبعد استشهاده اطمأن قلبي على محمد وانا أشجع كل أبنائي على الشهادة وأنا أتمناها، وبعد ذلك وقفت وكنت على كامل الاستعداد لاستقبال جثمان ابني الشهيد الطاهر لألقي بنظرتي الاخيرة عليه، واستقبال المهنئين الذين توافدوا علينا بأعداد كبيرة وشاركونا فرحتنا باستشهاد محمد.

* كيف اغتيل عماد عقل في منزلكم؟

ـ الشهيد عماد بقيّ مختبئاً في منزلنا 14 شهرا. وكان يخرج ويرجع للبيت وكأنه بيته. وكانت فترة مكوثه عندنا هي فترة العمليات الخصبة. وخلال هذه الفترة نفذ حوالي 20 عملية اوقعت العديد من القتلى والجرحى في صفوف الاسرائيليين. ولم يكن يعلم بالخسائر الا عماد ومجموعته. وقصة اغتيال الشهيد عماد هي قصة موجعة جدا ومؤلمة ويوم استشهاده جاء حتى يأخذ شيئا من البيت وذلك كان قبل أذان المغرب تقريبا بساعة وكان قد غاب عنا عدة ايام وكنت مشتاقة له فحين دخل البيت سلمت عليه ووجدته يضحك ولم أر وجه عماد اجمل من ذاك اليوم، فقد كان وجهه مستبشرا وعلامات من الفرح تغمره وجاءني صائما فأحضرت له طعام الإفطار ولكن كان للأسف العميل موجوداً في بيتنا وهذا العميل كنا نثق به وهو كان يعلم أبنائي على تجويد القرآن وبعدها اكتشفنا انه عميل من سنة 81 وكل المصائب التي حلت بحركة حماس كان هو سببها ولم نكن نعرف انه عميل ولم نشك فيه يوما.

وعندما أنهى عماد تناول طعامه شرب الشاي وكان العميل يجلس معه ثم خرج وصعد الى سطح المنزل وبعد صلاة المغرب لم نشاهد الا قوات كبيرة جدا من الاحتلال تحاصر البيت ومعها القوات الخاصة بالمدرعات والطائرات المروحية تحلق في الجو.

وشاهدها في البداية ابني الكبير نضال وأبلغ عماد ولم نكن نستطيع فعل شيء فاصبحنا ندور في دائرة مغلقة انا وأولادي وعماد عقل وكنا في حصار محكم وكنت أتمنى ان أفتح قلبي وأخبئ عماد فيه. لم اعرف كيف احميه. حاول الهرب لكنه لم ينجح وبعدها قال لم يبق أمامي الا الاستشهاد فصلى ركعتين لله وسجد وشكر الله ودعا لله ان يكتب له الشهادة وأبلغني ان عليه بعض الديون وان أبلغ الشباب ان يسددوها، وودعني وودع أولادي وخرج وصعد لسطح المنزل وأخذت أكبر انا وبناتي وأولادي لحين خروج عماد من فوق سور المنزل واخذ يكبر بعد ان أطلقوا عليه وابلاً من الرصاص ولم يستشهد في حينها بل اخذ يجري حتى سقط شهيدا تحت شجرة زيتون قريبة من بيتنا. واستشهاد عماد بالنسبة لي مثل الحلم، كان أغلى من أولادي وكنت احبه جدا ووالدة عماد عقل كانت تعرف ان ابنها يختبئ عندي وهي الآن تشاركني فرحتي باستشهاد محمد وخصوصا انه تربطنا بعائلة عماد علاقة حميمة نشأت بعد استشهاده.....

يعطيك الف الف عافيه مؤمن باشا

جزاك الله خير اخي مؤمن
كل التحية